الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي
التفاتة حب وتقدير إلى الفنان الكبير ناصر الدين شاولي
التفاتة حب وتقدير إلى الفنان الكبير ناصر الدين شاولي
أياما قلائل قبل الإعلان عن الاستقلال الوطني، أي في 01 جويلية 1962، رأت عيناه النور.. فكان من الطبيعي أن ينتمي لذلك الجيل الذي يعيد البسمة والفرحة إلى قلوب الجزائريين بعد ليل طويل من تعاسة الاستعمار
في أحضان الجمعية الموسيقية « الفن والأدب » التي سجله بها والده سنة 1975، تلقى المبادئ الأولى لموسيقى الصنعةالع
اصمية الأندلسية تحت إشراف الأستاذين الأخوين محمد ومصطفى بوتريش.. والتي أظهر فيها إمكانيات وقدرات استثنائية أهلته ليلتحق بجمعية « الفخارجية » في أفريل 1981 في قسمها الأعلى بصفته عازفا على آلة الكمان. وخلال تتلمذه بالمعهد الموسيقي البلدي للعاصمة بين سنتي 1982 و1986 تمكن من افتكاك المرتبتين الثانية والأولى على التوالي تحت إشراف أستاذين كبيرين هما مصطفى اسكندراني ومحمد بوتريش.. ومنه واصل تدرجه نحو جمعية « الأندلسية » سنة 1986 منذ إنشائها من طرف الشيخ مصطفى بوتريش. وخلال هذه الفترة كانت له عدة مشاركات في تظاهرات ومهرجانات موسيقية داخل وخارج الوطن (وهران، تلمسان، قسنطينة، موسكو، باريس وغيرها).
ولم تأت سنة 1989 حتى وجد نفسه يسجل ويصدر ألبومه الأول بمنشورات سيدعلي شباب، تحت عنوان « القلب بات سالي ». هذا الألبوم الذي دفعه إلى مقدمة الساحة الفنية بعد أن اكتشف الجمهور عبر ربوع الوطن ميلاد نجم جديد اسمه ناصر الدين شاولي.
إعادةالاعتبار وحماية الموروث الموسيقي الجزائري.. جعلها ناصر الدين شاولي مهمته الأولى، وهو يلاحظ تراجعا محسوسا في وسائل الإعلام لهذا النوع الغنائي الأصيل خلال الثمانينيات.إرادته اليافعة وقدراته الفنية المؤكدة.. صوته الدقيق والمتلألئ.. اختياره للنصوص الأصيلة الجميلة.. كلها أدوات استعملها في إعادة بعث الذاكرة الجماعية الوطنيةلأفضل ما أنتجته خلال القرون الماضية.
وأمام هذا النجاح الباهر، اختار ناصر الدين شاولي تكوين جوقه الموسيقي الأول المتكون من ثمانية موسيقيين، أغلبهم من خريجي كبرى الجمعيات الموسيقية بالعاصمة.. وهكذا توالت المهرجانات والجولات الفنية مع الحفلات الإذاعية – التلفزيونية والقعدات العائلية خلال السنوات الممتدة من 1990 إلى 1998.. وتوجت بإصدار ألبوم ثان تحت عنوان « سيد العطار » سنة 1991، متبوع بقرص مضغوط حمل عنوان « يا بلارج »، ثم بإنتاجين مصورين.. « تزعبلي وميلي » في 1996 و »البهجة » في 1998.
لقاؤه مع المايسترو أمين قويدر كان حاسما في مسيرته الفنية، حيث فتح له المجال لإحياء عدة حفلات، منها بباريس.. اليونسكو سنة 1996 والسوربون سنة 1997، إضافة إلى قصر الثقافة مفدي زكريا بالعاصمة سنة 2002.. وخلال هذه الحفلات تمكن من إعطاء المقياس الكامل للألحان التقليدية الناتجة عن مهارة صوتية قوية وكفاءة لاجد الفيها أثمرت طريقة فنية جديدة لصنع مزيج « نوبةزيدان » مع الأوركستراالسمفونية.
وباتباعه لنهج كبار الشيوخ الذين سبقوه، أمثال دحمان بن عاشور، عبد الكريم دالي، رضوان بن صاري، وفريد وجدي.. كان ناصر الدين شاولي واعيا بهذه المهمة النبيلة المتمثلة في تخليد التراث الموسيقي التقليدي الأصيل.
إثر عودته من جولة فنية ساطعة ورائعة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا بأكبر مدنها.. سان فرانسيسكو، سان دييغو ونيويورك،اعتلى سفير « الحوزي » المعاصر خشبة مسرح مدينة باريس في ديسمبر 2002، بالتزامن مع إصداره لألبوم جديد تضمن جرعات قوية من الأندلسي، الحوزي والعروبي.. استمتعت بها آذان الأعداد الكبيرة من المعجبين.
وببقائه وفيا لسيرة تقليدية فرضها على نفسه، أصدر ناصر الدين شاولي، بمنشورات Soli-Music في العاصمة، ألبوما جديدا أثناء ربيع 2005، اختار له اسم « حوزي 5″، متضمنا قطعا من الحوزي مؤداة بطريقة ممتازة ممزوجة بالأجواء الجميلة لإحدى السهرات العائلية
غيابه عن الساحة الفنية يرجع إلى جلطة دماغية مفاجئة أصابته منذ بضع سنوات، أقعدته الفراش وعزلته عن الحياة العامة.. لكنها لم تعزله عن قلوبنا التي تعلقت به كإنسان طيب وفنان متألق.. في ذكرى ميلاده نقف معه وقفة تضامنية ونتمنى له الشفاء العاجل.. تحية طيبة ناصر الدين شاولي.. وشكرا على كل شيء.
تأليف: الأستاذ عبد القادر بن دعماش
ترجمة: نورالدين عداد